Quantcast
Channel: islamisme – Les carnets de l’Ifpo
Viewing all articles
Browse latest Browse all 10

وداعاً بل

$
0
0

تكريماً لمدينة تدمر. معبد بل : ٦ نيسان ٣٢ م ـ ٢٨ آب ٢٠١٥

Read the English version here : http://ifpo.hypotheses.org/7101 and the original French version : http://ifpo.hypotheses.org/7020

Traduction vers l’arabe : Khaled Alsaleem

Révision : Iyas Hassan

ترجمة خالد السليم

مراجعة إياس حسن

“حتى دون أن أتكلم عن المفاتن الكامنة في أسقفه أو عن تماثيله الحديدية الكثيرة التي كانت مودعة فيه بعيدا عن عيون الناس، أستطيع القول إن هذا المعبد فسيحٌ رائعٌ فائقُ الجمال. ولكن قد تم تدميره، لقد فقدناه”

اقتباس من حولية :

Libanios, Discours XXX, 45, Pro Templis (ive s.)

Fig. 1 : Le temple de Bel en 2007, depuis le sud-est (cliché Ifpo).

الصورة ١: معبد بل عام ٢٠٠٧، منظر من الجهة الجنوبية الشرقية. من محفوظات الايفبو

 

في الوقت الذي كان فيه قوس النصر يتحول إلى ركام، مسجلاً فصلاً جديداً من فصول التدمير المنهجي لأوابد مدينة تدمر الأثرية، وددنا العودة إلى التاريخ الغني والمركب لمعبد بل، أحد ضحايا ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية “داعش”. يعتبر هذا المعبد الذي يعود بتاريخه إلى أكثر من ألفي عام المركز الديني الرئيسي في المدينة الأثرية القديمة، وقد ذاع سيطه مؤخراً عندما قام عناصر تنظيم داعش بتفخيخه بكميات كبيرة من المتفجرات ونسفه قبل قيامهم على الأغلب بفك وسرقة منحوتاته وعناصره الزخرفية القابلة للنقل والبيع. إن معبد بل هو جوهرة أوابد مدينة تدمر الأثرية، وقد كان منذ أسابيع قليلة فقط أحد أقدم المعابد الأكثر حفظاً في الشرق الأدنى القديم (الصورة ١). لقد أكتسب هذا الصرح صخباً إعلامياً بعد تدميره، وذلك بسبب أهميته للتاريخ الإنساني، لكن القليل التفت إلى كونه أحد أهم الأمثلة على التطور والتجدد، فقد شهد هذا البناء أطواراً عديدة خلال العشرين قرناً التي عاشها. فقد كان في البداية معبدًا وثنيًّا، ثمّ تحوّل إلى كنيسة قبل أن يُستخدم كمسجد لأكثر من ٨٠٠ عام. من المفارقات التاريخية أن يعود الفضل في بقاء هذا الصرح الديني صامداً إلى كون كل الديانات التي هيمنت وتتابعت على المنطقة قد تبنّته فسمحت له بالاستمرارية والديمومة، وبالبقاء في حالة ممتازة حتى تاريخ تدميره بشكل كلي في الثامن والعشرين من شهر آب الفائت.

 

Fig. 2 : Le temple de Bel à Palmyre, de Henri SEYRIG, Robert AMY et Ernest WILL. Monographie publiée par l’Ifpo (alors IFAPO) en 1968 (album) et 1975 (texte et planches), dans la Bibliothèque Archéologique et Historique (BAH 83).

الصورة ٢ : كتاب معبد بل في تدمر (Le Temple de Bel à Palmyre) من تأليف هنري سيريغ، روبرت آمي و ايرنست ڨيل. من منشورات المعهد الفرنسي وقد جاء في مجلدين الأول هو الألبوم (Album) وتم نشره عام ١٩٦٨، والثاني (Texte et Planches) يتضمن الصور والشروحات وتم نشره عام ١٩٧٥، في العدد ٨٣ من مجلة مكتبة الأثار والتاريخ : (Bibliothèque Archéologique et Historique (BAH 83)

 

يكتب ايرنست ڨيل في مقدمة الكتاب الذي نشره المعهد الفرنسي لآثار الشرق الأدنى سابقاً (IFAPO – الايفابو) : “نالت هذه التحفة المعمارية، مجهولة المصمم قدراً كبيراً من الاهتمام في المجلد الأول يليق بالجهود العظيمة لأولئك العمال والفنانين الذين أعطوا هذا البناء شكله (…). ونستطيع القول إن هذا الكتاب وحده يشكل وثيقة ستضمن بقاء هذا البناء حياً في ذاكرة الأجيال “. ربما لم يكن مدير المعهد الفرنسي لآثار الشرق الأدنى يعلم كم كان تقديره صائبًا! فهذا الكتاب بجزأيه يمثل اليوم الشاهد الأبرز على جلال هذه الآبدة المعمارية العظيمة (الصورة 2).

 

منزل الآلهة بل ويرحبول وعجلبول ـ في الفترة ما بين القرنين الأول والرابع الميلاديين

كُرِّسَ هذا البناء خلال المرحلة الأولى من تاريخه للثالوث المقدس عند التدمريين : بل رب الأرباب وكبير الآلهة في تدمر، يرحبول إله الشمس وعجلبول إله القمر. وعلى الرغم من أن بقايا المعبد تعود إلى القرن الأول الميلادي، فإن المعطيات الأثرية تشير إلى وجود معبد أقدم كان يشغل نفس الموضع ويعود إلى الفترة الهلنستية. كما دلت التنقيبات الأثرية بإدارة الدكتور ميشيل المقدسي في التلّ الأثري الذي شُيّد عليه هذا المعبد إلى احتمال وجود مكان مقدس منذ الألف الثاني قبل الميلاد في نفس الموقع أيضاً.
Fig. 3 : Proposition de restitution du temple de Bel à Palmyre, vue perspective depuis l’angle sud-ouest de la cour (SEYRIG, AMY, WILL 1975, pl. 141).

الصورة ٣ : رسم متخيل لمعبد بل في تدمر، منظر من الزاوية الجنوبية الغربية للساحة الرئيسية (SEYRIG, AMY, WILL 1975 صفحة ١٤١).

 

بدأ بين عامي ١٩٢٩ و١٩٣٢ الباحثان الأثريان هنري سيريغ وروبرت آمي من دائرة آثار سورية ولبنان في ذلك الوقت، بدراسة معمقة لهذا الصرح الفريد. حيث عثرا خلال أعمالهما على نقش كتابي تم من خلاله تأريخ تشييد المبنى، أو ربما فقط أحد محاريبه الطقسية فحسب، في ٦ نيسان من العام ٣٢ للميلاد. كما تبين لهما أيضاً أن العناصر والأقسام المعمارية المختلفة كانت تخضع وبشكل مستمر لتعديلات وإعادة بناء ما بين بداية القرن الأول والثالث الميلاديين. تكوَّن معبد الفترة الرومانية من هيكل متوضع في مركز باحة فسيحة تبلغ مساحتها ٤ هكتارات، محاطة من جهاتها الأربع بـأروقة معمدة. وقد أظهرت عمارة المعبد تركيباً من تقاليد إغريقية رومانية تتمثل في الأروقة المعمدة، وأخرى شرقية تبدو جليّةً في إنشاءات الحرم الداخلي والتي تتوافق مع متطلبات الطقوس الساميّة. هذا المعبد الهجين والمركب، الذي زاوج بين النموذج المعماري المتوسطي للفترة الرومانية من جهة، وبين التقاليد المحلية القديمة من جهة أخرى، كان أحد أروع الأمثلة لهذا التوافق الذي نلحظه في عدد كبير من صروح ومباني الشرق الأدنى القديم. بتدميرهم هيكل المعبد (الصورة ٣)، حيث كانت توجد في السابق تماثيل الآلهة، تسبب رجال تنظيم داعش أيضاً بضياع عدد كبير من الزخارف الإستثنائية والتي كانت مصدراً رئيسياً لمعارفنا حول الحياة والدين في تدمر القديمة، لما تحمله من مشاهد تمثل الآلهة والمواكب الطقسية.

كنيسة القديسة مريم التدمرية ؟ – من القرن السادس حتى القرن الثامن الميلاديين

Fig. 4 : Vestiges de la grande scène figurative chrétienne sur le mur intérieur ouest du temple de Bel (photo A. Schmidt-Colinet, in JASTRZEBOWSKA 2013, fig. 7).

الصورة ٤: بقايا مشهد تصويري كبير يمثل تقاليد مسيحية مرسومة على الحائط الغربي الداخلي للمعبد (آ. شميت كولينه في كتاب جاسترزيبوفسكا ٢٠١٣، الصورة رقم ٧).

 

أصبحت المسيحية مع نهاية القرن الرابع الميلادي الديانة الرئيسية للإمبراطورية الرومانية. ومع مرور الزمن اختفت أماكن العبادة الوثنية، إما بتدميرها أو بتحويلها إلى كنائس. كان هذا شكلاً من أشكال فرض الدين الجديد وإعادة اِستثمار الأبنية المهجورة في المدن والأرياف. وكان هذا حال معبد بل الذي شهد فترة استيطان مسيحي بين القرنين الخامس والسادس الميلاديين. تبدو شواهد هذا الاستيطان واضحة من خلال الرسوم الملونة على الجدار الغربي للمعبد القديم والتي تعود غالباً إلى القرن السادس الميلادي، بالإضافة إلى وجود صليبين على الأقل. وعلى ما يبدو، فإنّ المحراب الجنوبي للمذبح القديم كان قد استخدم كجوقة خلال هذه الفترة. أما المشاهد الملونة والمرسومة بعناية على الجدار الغربي فتمثل خمسة أشخاص. (الصورة ٤). وفقاً لعالم الآثار جاسترزيبوفسكا، يمثل هذا المشهد مريم العذراء محتضنة يسوع المسيح على ركبتيها، والاثنان محاطان بملاك وقديسين من الممكن أن يكون أحدهما القديس سيرجوس، هذا الشاب الشهيد الذي كان أهالي المنطقة يبجلونه في تلك الفترة، وبشكل خاص القبائل العربية. كما يُظهر أحد النقوش الكتابية على جدران الحرم القديم قيام شخص يدعى ليعازار، الموصوف بـ “خادم الرب”، بتبجيل ” القديسة أم الرب، الممتلئة نعمةً “. لذلك يعتقد جاسترزيبوفسكا أن هذه الكنيسة كانت مكرَّسة لمريم العذراء.

 

مسجد قديم عاش ثمانية قرون  – من القرن ١٢ حتى القرن ٢٠

كان المبنى على ما يبدو قد هجر لأربعة قرون، تحديداً ما بين القرنين الثامن والثاني عشر الميلاديين. وبعد سقوط المدينة بين عامي ١١٣٢ و١١٣٣م بيد سلالة البوريين المسلمة، تم تدعيم سور المعبد وتحويل هيكله إلى حصن. وتعود غالباً إلى هذه الفترة بدايات توطّن مدني داخل أسوار المعبد وبالقرب منه. حيث تم إنشاء مسجد داخل البناء المركزي أو ما يسمى بالهيكل والذي كان لا يزال في تلك الفترة قائماً. (الصورة ٥). ومن المفترض أن إنشاء هذا المسجد تم على يد أبو الحسن يوسف بن فيروز ممثل أمراء دمشق في تدمر، وهو نفسه من قام بتحويل المعبد القديم إلى قلعة. ومن الواضح أنه قد تم إعادة بناء المسجد مرة أو مرتين خلال الثمانية قرون التي عشاها. حيث تشير بعض النقوش العربية التي تم العثور عليها داخل المعبد إلى أعمال ترميم وتجديد في هذا المسجد. مع بدء أعمال التنقيب في معبد بل أوائل عام ١٩٣٢ من قبل دائرة آثار سوريا ولبنان تكون المرحلة الثالثة من عمر هذا الصرح، والتي استمرت لأكثر من ٨٠٠ عام، قد وصلت إلى نهايتها.
Fig. 5 : Coupe longitudinale sur le temple de Bel, mise en évidence des réoccupations médiévales dans les portiques et la cella (d’après WIEGANG 1932, p. 83).

الصورة ٥: مقطع طولي لمعبد بل يُظهر مراحل إعادة الاستيطان في القرون الوسطى ضمن الهيكل (من قبل ڨيغانغ ١٩٣٢، ص ٨٣).

 

عام ١٩٣٠م : اندثار البلدة القديمة وبروز الصرح الأثري

كان من نتائج الانتداب الفرنسي على سورية عام ١٩٢٠ إنشاء دائرة آثار سورية ولبنان. ومن أجل البدأ بأعمال التنقيب الأثري في معبد بل قامت هذه الدائرة في عام ١٩٢٩ بالمباشرة بإجلاء سكان البلدة القديمة ونقل منازلهم من داخل الحرم إلى قرية جديدة إلى الشمال من أسوار المدينة الأثرية. لم تكن في الواقع أعمال التنقيب والبحث هذه هي الأولى من نوعها، حيث كان قد خضع المعبد، الذي كان لا يزال ظاهراً، إلى دراسة مفصلة عام ١٩٠٢ من قبل ويغاند في كتاب (Palmyra. Ergebnisse der Expeditionen von 1902 und 1917). وتعتبر المخططات واللوحات المقدمة في هذا الكتاب، بالإضافة إلى بعض الصور المحفوظة في أرشيف المعهد الفرنسي، الشواهد الوحيدة على مخلفات العصور الوسطى في معبد بل. لقد كان الهدف من إزالة البلدة المتوضعة داخل باحة المعبد هو إعادة ترميم البناء الأثري الأساسي ولهذا السبب أيضاً تم إزالة المعالم التي أضيفت للمعبد أثناء تحوله إلى مسجد. على الرغم من التدمير الذي أصاب المعبد الآن، فإن منشورات هنري سيريغ، روبرت آمي وإيرنست ڨيل، بالإضافة لأعمال ويغاند، تعرض ملفاً مصوراً ومفصلاً لهندسة وعمارة هذا الصرح. وربما يكون هذا عزاءنا الوحيد على الرغم من مرارة الفاجعة. لقد كان المعبد مرممًأ بشكل جزئي، فالبوابة الرئيسية بشكل خاص كانت مدعمة أثناء أعمال عام ١٩٣٢ (الصورة ٦) وبفضل استخدام الإسمنت المسلح استطاعت هذه البوابة الصمود أثناء تدمير داعش المعبد مؤخّراً، حيث تظهرها الصور وهي تنتصب وحيدة فوق أنقاض الهيكل. تجدر الإشارة أخيراً إلى أن معبد بل كان قد أصبح قبلة للسياح الوافدين من كل أصقاع العالم وبشكل خاص بعد وضع المدينة على قائمة التراث العالمي لليونسكو وازدهار حركة السياحة في سوريا. كما تجدر الإشارة إلى أن أعمال التنقيب والبحث الأثري كانت متواصلة في معبد بل حتى فترة قريبة.
Fig. 6 : Restauration de la porte du temple en 1932. Vue d’ensemble du chantier depuis le nord-ouest (cliché Ifpo) et isométrie des parties hautes, avec mise en évidence des éléments en béton armé (ECOCHARD, Syria 18, 1937, fig. XXXV).

الصورة ٦ : إعادة ترميم بوابة المعبد عام ١٩٣٢. منظر عام لورشة العمل من الجهة الشمالية الغربية (من محفوظات المعهد الفرنسي) وإلى جانبه رسم مجسم منظوري للأجزاء العليا مع إبراز عناصر الإسمنت المسلح (ECOCHARD, Syria 18, 1937, صورة٣٥).

 

٢٠١٥: موت مُعلن ؟

نجد العديد من الأمثلة الموازية لما تعرض له معبد بل عبر مراحله المختلفة من عمليات تجديد وإعادة استخدام، وهو أمر مألوف في هذا النوع من المباني الدينية. فكثير من الأوابد الأثرية بقيت صامدةً ولم تندثر بفضل إعادة استخدامها عبر العصور بشكل مستمر. تدين هذه المباني ببقائها إلى هذه التحولات التي أعطتها وظائف جديدة وحمتها من الهجر والاندثار. لقد كانت هذه الظاهرة شيئاً مألوفاً في الصروح الدينية، فقد بقي الطابع المقدس للمكان مستمراً بسبب إعادة الاستخدام واستدامة الاستيطان. وربما يعتبر الجامع الأموي في دمشق أحد أبرز هذه الأمثلة، كما يمكن مقارنته مع معبد بل في تدمر. فقبل أن يتحول إلى مركز للعبادة الإسلامية، كان الجامع الأموي معبداً رومانياً فسيحاً كُرِّس للإله جوبتير، ليتحول في فترة لاحقة خلال الفترة البيزنطية إلى كنيسة للقديس يوحنا المعمدان، ليصبح في النهاية مسجد الخليفة الأموي مع بداية القرن الثامن الميلادي. منحت مدينة دمشق أهمية إضافية للمسجد الأموي ليصبح من أهم الأوابد التاريخية والدينية في المنطقة بسبب كونها العاصمة السياسية للدولة ولفترات طويلة، إضافة إلى ثقلها الاقتصادي الكبير.
ولكن حال مدينة تدمر ليس كمدينة دمشق العاصمة، فضعف الاستيطان كان السبب الأساسي بدون شك وراء قرارات وخيارات علماء الآثار في ثلاثينيات القرن الماضي. ومقارنةً بعظمة البناء التاريخي الذي احتضن البلدة الصغيرة، اعتبرت هذه الأخيرة قليلة الأهمية، وتبعاً للتقاليد الأثرية السائدة في تلك الفترة تقرر إزالة هذه البلدة، ولم يبق أي أثر مما اعتبر في وقته عمارة عشوائية، خالية من أي أهمية تاريخية، ولسوء الحظ لم تترافق أعمال الإزالة هذه بتوثيق منهجي وعلمي. أما الصور الجوية القليلة المأخوذة في تلك الفترة، فكل ما نستطيع ملاحظته من خلالها هو تلك الشبكة الكثيفة لأزقة القرية، والآثار المرئية لهذا التدمير الذي لحق بالبلدة القديمة (الصورة ٧).

 

Fig. 7 : Vues aériennes du sanctuaire de Bel, avant et en cours de dégagement (clichés Ifpo), avant et après sa destruction (clichés satellitaire Unitar-Unosat des 27 et 31 août 2015). Montage Ifpo.

الصورة ٧ : مناظر جوية لمعبد بل قبل وخلال إزلة البلدة القديمة (من أرشيف المعهد الفرنسي)، قبل وبعد تدمير المعبد ٢٧ و٣١ آب (صورة فضائية مأخوذة من قبل معهد الأمم المتحدة للتدريب والبحث unitar) مونتاج تيبو فورنيه.

 

لم ينجُ من هذه البلدة سوى منزل واحد فقط هو منزل المختار في تلك الفترة والواقع في الزاوية الجنوبية الشرقية للهيكل، فقد تم الحفاظ عليه وتحويله إلى بيت للبعثات الأثرية يعرف اليوم باسم قصر الضيافة (الصورة ٨). دون شك، لم تكن فكرة علماء الآثار في ذلك الوقت الحفاظ على هذا المنزل كشاهد على البلدة، وإنما تجهيز مسكن للمنقبين في أحد أجمل بيوت القرية.
Fig. 8 : La « maison des archéologues », dans l’angle sud-est du temenos du sanctuaire de Bel, seul vestige du village qui l’occupait (clichés Ifpo, vers 1935 ?).

الصورة ٨ : قصر الضيافة الواقع في الجهة الجنوبية الشرقية لهيكل معبد بل، يشكل البقايا الوحيدة للبلدة القديمة التي احتضنتها أسوار معبد بل في العصور الوسطى (من أرشيفات المعهد الفرنسي).

 

يجب علينا أن نتسائل الآن حول ذلك الخيار الذي اُتخذ في ثلاثينيات القرن الماضي: هل كان من الصواب إزلة القرية ومسجدها من إجل إظهار المعبد الروماني ؟ يعكس هذا الخيار بصورة واضحة نظرة آثاريي النصف الأول من القرن العشرين التراتبيّة للحقب التاريخية وللُقاها الأثريّة، والتي تعطي الأولويّة، من حيث المبدأ، للحفاظ على آثار العصور القديمة قبل آثار العصور الوسطى، وتفضّل العناية بالصروح قبل الآثار ذات الطابع العام أو الشعبي، وبالعمارة الدينية قبل المدنيّة.

من المؤكّد – أو هذا ما نأمله على أقل تقدير – أنه لو طُرحت اليوم مجدّدًا مسألة إبراز القيمة الأثرية لمعبد بل، فلن يتم اللجوء إلى خيارات متطرّفة كتلك التي اتُخِذت حينها.

لقد قامت المواثيق الدولية المتعلقة بالحفاظ على التراث القديم بتطوير هذا المفهوم. فميثاق أثينا المتعلق بترميم الأوابد التاريخية ومنذ عام ١٩٣١ ينص بشكل واضح على : ” الحفاظ على المباني الأثرية والاهتمام بها بشكل يؤدي إلى استمرارية حياتها “. إجلاء قرية متواضعة تعود إلى العصور الوسطى من معبد بل، من أجل إعادة المعبد إلى حالته ومحيطه الأصليين، أو بعثه من جديد كما يقول إيرنست ڨيل، كان في الواقع عملية تحنيط  لهذا الفضاء الحي. فهذه الآبدة التاريخية بعد المراحل المختلفة التي مرّت بها، من إعادة استخدام وتوظيف إلى تبّدلات في سكّانها قد ماتت ميتةً أولى حين حُوِّلت إلى مجرّد حجارة أثريّة، على الرغم من بهاء هذه الحجارة.

وعلينا الأن أن نطرح هذا السؤال التالي، حتى و إن بدا عقيماً في مواجهة البربرية وما تعرض له معبد بل الآن : لو كانت خيارات أثاريي القرن العشرين مختلفةً، فهل كان رجال داعش سيتصرّفون اليوم بشكل مختلف؟ لو احتفظ معبد بل ببلدته القديمة المأهولة ولم يختزله الترميم إلى شكله الأولي، فهل كان ليلقى المصير إيّاه اليوم؟ هل كان رجال التنظيم المتطرّف سيرون فيه صورةً لتراث إنساني منذور للتدمير – الرمزي أقلّه – لكونه يصدر عن “ثقافة غربيّة” ألقى هذا التنظيم على كاهله مهمّة تحدّيها؟
تقف اليوم بوابة هذا الصرح وحيدة فوق كومة من الركام، نصباً مكرساً لذكرى بل، لروح زميلنا خالد الأسعد الذي طالما احترمناه ولكَم نفتقده، لذكرى معبد بعلشمين وقوس النصر غيرها من الأوابد والتحف المدمرة، في تدمر وغيرها من المدن الأثرية. قلوبنا، نحن آثاريي المعهد الفرنسي للشرق الأدنى، مع أهالي مدينة تدمر وكل الشعب السوري الذي يدفع وحده ضريبة هذه الحرب من لحمه وروحه وحجارته.

 

كارولين دوران، تيبو فورنيه، بولين بيرو فورنيه (ترجمة خالد السليم)

 

Fig. 9 : Relevé d’un décor en bas-relief ornant une des poutres du sanctuaire et représentant une procession, avec restitution de la polychromie (SEYRIG, AMY, WILL, 1968-1975) © Institut Français du Proche-Orient.

الصورة ٩ : رسم لزخرف يزين أحد أعمدة هيكل معبد بل، يمثل طقس الطواف المقدس للإله بل. (سيريغ، آمي، ڨيل ١٩٦٨ـ١٩٧٥) المعهد الفرنسي للشرق الأدنى.

 

يشكر كتَّاب هذا المقال كل من فردريك آلبي، جان باتيست يون، موريس سارتر وآني سارتر فوريات لإعادة القراءة.

 

لمزيد من المعلومات، انظر

 

  • On line: Palmyre, fouilles archéologiques (Fanny Arlandis) / Photo Library of Ifpo (MediHAL)
  • Ecochard Michel, « Consolidation et restauration du portail du temple de Bêl à Palmyre », Syria 18, 1937, p. 298-307.
  • Hammad Manar, “Le sanctuaire de Bel à Tadmor-Palmyre”, dans Lire l’espace, comprendre l’architecture, 2006 (accessible on line)
  • Jastrzębowska Elżbieta, « Christianisation of Palmyra: Early Byzantine Church in the temple of Bel », Studia Palmyreńskie 12, Fifty Years of Polish Excavations in Palmyra 1959-2009, International Conference, Warsaw, 6-8 December 2010, 2013, p. 177-191.
  • Sartre Annie et Maurice , Zénobie, de Palmyre à Rome, Paris, 2014.
  • Sauvaget Jean, « Les inscriptions arabes du temple de Bel à Palmyre », Syria 12, 1931, p. 143-54
  • Seyrig Henri, Amy Robert, Will Ernest, Le Temple de Bêl à Palmyre, 2 vol. (Bibliothèque Archéologique et Historique 83), Paris, 1968-1975.
  • Wiegang Theodor (ed.), Palmyra. Ergebnisse der Expeditionen von 1902 und 1917, 2 vol., Berlin, 1932 (accessible on line).
  • Yon Jean-Baptiste, Les notables de Palmyre (Bibliothèque Archéologique et Historique 163), Beirut, 2002 (accessible on line).
  • Yon Jean-Baptiste, As’ad Khaled, with contribution by Fournet Thibaud, Inscriptions de Palmyre : promenades épigraphiques dans la ville antique de Palmyre, Beirut, 2001.

To cite this posting: C. Durand, Th. Fournet, P. Piraud-Fournet,

« وداعاً بل. تكريماً لمدينة تدمر.
معبد بل : ٦ نيسان ٣٢ م ـ ٢٨ آب ٢٠١٥ »

Les Carnets de l’Ifpo. La recherche en train de se faire à l’Institut français du Proche-Orient (Hypotheses.org), January 25th, 2016. [Online] http://ifpo.hypotheses.org/7135


Photo_duarte-webكارولين دوران : باحثة آثارية في ايفبو عمان منذ أيلول ٢٠١٢. ناقشت في أطروحة الدكتوراه التي أنجزتها في جامعة ليون الثانية عن “دور المملكة النبطية في حركة القوافل والنقل البحري في الشرق الأدنى بين المحيط الهندي والبحر المتوسط في الفترات الهلنستية والرومانية”. اهتمامها بالتبادلات التجارية والثقافية في العالم القديم دفعها للتخصص في دراسة المواد الأثرية وبشكل خاص الفخار. وهي تشارك بصفتها خبيرة فخاريات بالعديد من المشاريع الأثرية في خربة الذريح و البتراء في الأردن، أيظاً في مدائن صالح ودومة الجندل في المملكة السعودية، وفي فيلقة في الكويت.

تيبو فورنيه : باحث معماري وأثري في المركز الوطني للأبحاث العلمية CNRS . منتدَب في الوقت الحالي إلى الايفبو في عمان. تتمحور أبحاثه حول العمارة والتمدن في حضارات البحر المتوسط القديمة وبشكل خاص الشرق الأدنى خلال العصور الأغريقية الرومانية. عضو في البعثة الفرنسية الأثرية في سوريا الجنوبية كما يقوم ومنذ سنوات بأبحاث حول الحمامات العامة في حوض المتوسط الشرقي منذ الحمامات الإغريقية المعروفة باسم بالانيا (balaneia) والمسابح الرومانية (thermes) حتى الحمامات العامة المعاصرة. بالإضافة إلى ابحاثه حول حمامات ديوقلسيان (المعروفة باسم حمامات زنوبيا) في تدمر.

بولين بيرو فورنيه : باحثة آثارية، تقوم بتحضير أطروحة دكتوراه في جامعة باريس الرابعة ـ السوربون حول المباني السكنية في سوريا خلال الفترات الكلاسيكية. حاصلة على دبلوم في العمارة من المدرسة الوطنية العليا للعمارة في ليون (ENSAL) لتختص فيما بعد بالعمارة القديمة. تعمل منذ سنوات عديدة مع الايفبو ووزارة الخارجية الفرنسية والمركز الوطني للأبحاث العلمية (CNRS) في العديد من المواقع الأثرية في لبنان والأردن وسوريا حيث عملت في تدمر، وفي تونس ومصر. تدور اهتماماتها البحثية حول المعابد والعمارة الجنائزية وأيضاً العمارة السكنية. بين عامي ٢٠٠٦ و٢٠١٢ كانت تشغل منصب “معماري” في القسم العلمي للآثار والتاريخ في الايفبو في دمشق ومن ثم في عمان.


Viewing all articles
Browse latest Browse all 10

Latest Images

Trending Articles





Latest Images